مع تسارع التحوّل الرقمي في العالم، باتت التخصصات التقنية في تركيا أكثر أهمية من أي وقت مضى، تعمل الحكومة التركية على تنفيذ مبادرات مثل “تركيا الرقمية” و”المبادرة الوطنية للتكنولوجيا” لتعزيز البنية التحتية الرقمية وتطوير المهارات التقنية بين الشباب، وبفضل انتشار وتطور خدمات الإنترنت وكثافة السكان من فئة الشباب المهتمين بالتكنولوجيا، يُتوقع أن يشهد الاقتصاد الرقمي نمواً كبيراً في الأعوام المقبلة.
تشير تقارير حديثة إلى أن صادرات تركيا من التكنولوجيا المتقدمة بلغت 9 مليارات دولار في 2023، بارتفاع كبير عن الأعوام السابقة، وهو دليل على الديناميكية المتسارعة في هذا القطاع، وتشمل أهمية التطورات التقنية في تركيا توفير فرص وظيفية واعدة للمختصين في هذا المجال، حيث تزداد الحاجة إلى مهندسي البرمجيات ومطوّري الأنظمة وخبراء البيانات لتطوير مشروعات التحول الرقمي وريادة الصناعات التقنية.
أفضل التخصصات التقنية المطلوبة في سوق العمل التركي
يبرز في سوق العمل التركي طلب متزايد على التخصصات التقنية الحيوية التي تدعم الاقتصاد الرقمي، من بين هذه التخصصات هندسة البرمجيات وعلوم الحاسوب، حيث يبحث العديد من أصحاب العمل عن مطوّري برامج ومبرمجين ذوي مهارات قوية، كما أصبح الأمن السيبراني من أبرز المجالات المطلوبة بسبب تنامي التهديدات الرقمية، إذ تحتاج الشركات إلى مهندسين وخبراء لحماية أنظمتها ومعلوماتها، وفي ظل توسع مشاريع الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والبيانات الضخمة في تركيا، تزداد الحاجة إلى المتخصصين في تحليل البيانات وهندسة الذكاء الاصطناعي لتطوير الحلول الذكية وتطبيقاتها الصناعية.
ووفقاً لتقارير حديثة، فإن الوظائف الأكثر طلباً تشمل مطوّري البرمجيات وأخصائيي الذكاء الاصطناعي وخبراء الأمن السيبراني، فضلاً عن مهارات إدارة النظم والشبكات (مثل مهندسي DevOps والحوسبة السحابية)، كما تشهد مجالات هندسة الاتصالات والإلكترونيات طلباً مستمراً، لاسيما مع التوسع في تقنيات الجيل الخامس (5G) وإنترنت الأشياء في تركيا.
متوسط الرواتب والفرص بعد التخرج
يحظى خريجو التخصصات التقنية برواتب مرتفعة نسبياً في تركيا، مقارنة بالتخصصات الأخرى، فمثلاً، يبلغ متوسط راتب مهندس الحاسوب في تركيا حوالي 43,000 ليرة تركية شهرياً، أما مهندس البرمجيات فيحصل على متوسط راتب شهري يقارب 54,100 ليرة تركية، وهي أرقام تعكس قيمة هذه المهارات. ومن الجدير بالذكر أن متخصصي الأمن السيبراني يعتبرون من الأعلى أجراً؛ إذ تشير تقارير إلى أن راتبهم المتوسط يبلغ نحو 126,000 ليرة تركية شهرياً، أي أكثر من ضعفي متوسط الأجور في تركيا، وتتفاوت الرواتب بناءً على مستوى الخبرة والموقع الجغرافي، فالعمل في إسطنبول مثلًا قد يكون الأعلى أجراً.
إضافةً إلى الرواتب العالية، تفتح التخصصات التقنية آفاق عمل واسعة للخريجين؛ ففي الشركات الكبرى ومؤسسات الاتصالات والبنوك وشركات البرمجة الناشئة يمكن لخريج تقنية المعلومات أو هندسة الحاسوب أن يعمل في وظائف متعددة، تشمل هذه الوظائف مثلاً مهندس برمجيات، مهندس أمن المعلومات، مدير شبكات وأنظمة، مهندس قواعد بيانات، مهندس أنظمة مدمجة، مختص إدارة مشاريع تقنية، مطور ويب، مختبر ضمان جودة البرمجيات، مصمم واجهات الويب، وغيرها، هذه الفرص المتنوعة تضمن للخريجين مرونة عالية في اختيار مسارهم الوظيفي حسب اهتمامهم، سواء كان في القطاع الخاص أو العام أو حتى القطاعات البحثية والتعليمية.
الجامعات التركية التي تدرّس التخصصات التقنية
تُعد الجامعات التركية من أفضل الوجهات للدراسة التكنولوجية في المنطقة، وتوفر برامج متقدمة في التخصصات التقنية، على سبيل المثال، جامعة الشرق الأوسط التقنية (METU) في أنقرة وجامعة إسطنبول التقنية (ITU) هما من أعرق الجامعات في مجال الهندسة وعلوم الحاسوب في تركيا، وتليهما جامعات مثل جامعة البيسفور (Boğaziçi University) وجامعة بيلكنت (Bilkent University) ذات السمعة العالمية في برمجة الحاسوب والهندسة، كما تشتهر جامعات مثل جامعة مرمرة (Marmara) وجامعة غازي (Gazi) وجامعة حاجي تبه (Hacettepe) ببرامج قوية في التقنية. ويأتي في مقدمة الجامعات الخاصة الرائدة في هذا المجال جامعات مثل كوتش (Koç) وسابانجي (Sabancı) وألتينباش (Altınbaş) وبهتشه شهير (Bahçeşehir) وإسطنبول آيدن (Aydın)، حيث تقدم جميعها برامج باللغة التركية والإنجليزية مع معامل حديثة وخبراء دوليين.
من ناحية أخرى، تُعنى جامعات خاصة أخرى بالطلاب الدوليين وتوفر برامج تقنية باللغة الإنجليزية، على سبيل المثال، تقدم جامعة حاجي تبه وجامعة غازي وجامعة بهتشه شهير وجامعة إسطنبول بيلجي وجامعة إسطنبول ميديبول وجامعة إسطنبول جليشيم وجامعة إسطنبول أوكان برامج هندسة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات باللغة الإنجليزية، وتعد هذه الجامعات محط أنظار الطلاب العرب لسهولة برامجها باللغة الإنجليزية وسمعتها الجيدة، كما توفر معظم هذه الجامعات فرصاً للتدريب العملي (ستاج STAJ) والتبادل الطلابي مع جهات صناعية عالمية، مما يعزز من جاهزية الخريج لسوق العمل الدولي.
نصائح للطلاب العرب لاختيار التخصص المناسب
عند اتخاذ قرار اختيار التخصص التقني، من المهم أن يبدأ الطالب بتقييم ميوله الأكاديمية والمهارات التي يتمتع بها، فالتخصص الجامعي يجب أن يتناغم مع اهتمامات الطالب وشغفه العلمي، كما يُنصح بدراسة احتياجات سوق العمل التركي؛ فمعرفة التخصصات المطلوبة والناشئة في تركيا يساعد في ضمان فرص عمل مستقبلية، ويمكن الاستفادة أيضاً من تجارب الطلبة السابقين من خلال التواصل مع مستشارين أكاديميين وطلاب عرب مسجلين حالياً في الجامعات التركية للحصول على نصائح حول التخصصات الأكثر جاذبية وفرص العمل المتاحة.
ينبغي كذلك متابعة التطورات التكنولوجية العالمية، فقد تؤثر التقنيات الناشئة في الطلب على بعض التخصصات؛ فعلى سبيل المثال، يشهد مجال الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات تطوراً سريعاً قد يرفع من أهميته في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي الاطلاع على مناهج البرامج التي تقدمها الجامعات التركية ومعرفة متطلباتها اللغوية (لغة الدراسة) والمالية (الرسوم الدراسية)، إذ تختلف شروط القبول والتكاليف من جامعة لأخرى، بشكل عام، يجب اختيار التخصص الذي يوفر توازناً بين طموحات الطالب، والمهارات التي يبرع فيها، والفرص المتاحة في سوق العمل التركي.
وختاماً، تتوافر في تركيا إمكانية دراسة التخصصات التقنية باللغتين التركية والإنجليزية، مما يتيح خيارات واسعة للطلاب العرب. ويمكن للطالب الاستفادة من المنح الدراسية المقدمة من الحكومة التركية أو الجامعات لتقليل التكاليف. وفي النهاية، فإن التخصصات التقنية في تركيا تقدم مساراً أكاديمياً وعملياً واعداً للطلاب العرب الطامحين لمهنة مستقبلية ناجحة في بيئة تكنولوجية متقدمة.
اقرأ أيضاً: